بمناسبة الذكرى الستين على ضياع أرض الأنبياء أو «النكبة» كما يحب أن يسميها الإعلام العربي، و41 عاماً على ضياع ثالث الحرمين الشريفين أو النكسة كما يطلق عليها النظام السياسي العربي تخفيفاً من المصاب الجلل الذي حدث فيها، ومرور 15 سنة على معاهدات الاستسلام وسقوط الحاجز النفسي الذي كان بيننا وبين بني صهيون الذي كان ورقة التوت الأخيرة التي كنا نحتمي بها لعل وعسى أن يحين الوقت وتشتعل نار الانتقام والحساب من تحت رماد العجز العربي الرسمي، ولكن الظن خاب بمعاهدة أوسلو واخواتها التي تحب القيادات السياسية العربية تسميتها خيار العرب الاستراتيجي، وكلمة السر الأمريكية للخروج من لائحة الإرهاب.
وأحب أن أسميها «الوكسة» وضياع حلم أم الشهيد الفلسطيني.
في ذكرى كل هذه المآسي أحببت أن أسأل نفسي هذا السؤال، ما السبب في هزيمتنا شر هزيمة أمام قطعان من يهود لايتعدون أربعة ملايين إلا قليلاً، ونحن غثاء سيل نتجاوز المائتين والخمسين مليوناً، ناهيك عن مليار وربع المليار من المسلمين أو على الأقل هكذا تقول شهادات الميلاد.
هل كانوا رجالاً وكنا نساء أم كانوا على الحق وكنا على الباطل.
لا والله لا هذا ولا ذاك، ولكننا لم نستخدم معهم نفس الأسلحة التي كانوا يستخدمونها ضدنا، التي أرى أنها كانت ثلاثة أسلحة فتاكة استخدمها اليهود في حروبهم ومواجهاتهم مع العرب ولم يستخدم العرب منها شيئا، أول هذه الأسلحة العقيدة الدينية التي قامت دولة إسرائيل عليها واستغلتها إلى أبعد حد لاستقطاب تأييد جميع اليهود في العالم وصبغت جميع مظاهر الحياة في هذه الدولة، من اسم الدولة الذي يستوحي ذكرى اسم نبي الله يعقوب «إسرائيل» أبو اسباط «قبائل» اليهود الاثنتي عشرة، حتى ان هذه العقيدة الدينية تصبغ كل مظاهر الدولة القانونية والسياسية، من مثل الهوية الإسرائيلية «الجنسية» التي تمنح لكل من ولد من أم يهودية مهما كان موطن مولده، إلى الاحتفاء بالنجمة السداسية نجمة داود عليه السلام واحترام يوم السبت المقدس في كتابهم إلى غير ذلك من رموز العقيدة اليهودية المنتشرة في هذه الدولة الدينية الوحيدة في العالم.
أما السلاح الثاني فهو سلاح القوة العسكرية التي جعلت هذه الدويلة تتفوق عسكريا على 22 دولة عربية، فهي مدججة بالسلاح من أولها إلى آخرها من القاعدة إلى القمة حتى القوة النووية لم تستنكف عن امتلاكها ومفاعل ديمونة شاهد على ذلك، حتى أصبحت أسطورة اليد الطولى شعاراً لهذه الدويلة، فهي لا تعير اهتماماً يذكر للقوانين الدولية إذا كانت سوف تمنعها من تحقيق التوسع والتفوق والأمن من وجهة نظرها.
أما الثالثة في انتصار هذه الدويلة على أمة العروبة والإسلام مجتمعة، اقصد السلاح الثالث في يد هذه الدولة فهو سلاح الديمقراطية الذي أذاب جميع الفروقات والاختلافات بين قطاعات وجماعات الشعب الإسرائيلي اليهودي الذي تجمع من شتات الأرض على اختلافهم في اللغة والثقافة والبيئة، ولكن الديمقراطية جعلتهم سواسية، حتى انك تستغرب ان تمر ستون سنة على هذه الدولة ولم يقم فيها أي انقلاب عسكري لا أبيض ولا أحمر ولا حتى حركة تصحيحية ولم يعمر في السلطة أي رئيس وزراء أكثر من مدته القانونية، وتتداول فيها الرئاسة بغاية الدقة والانضباط، ويمنح لجميع أفراد الشعب اليهودي حق الانتخاب وحق الترشح، وإسقاط من يرى إسقاطه، حتى ولو كان هذا الفرد عاملا بسيطا.
فهل العرب يمتلكون أيا من هذه الأسئلة الثلاثة الفتاكة أو بشكل مباشر وصريح هل استخدم العرب أيا من هذه الأسلحة في مواجهاتهم وحروبهم مع هذه الدولة اليهودية النووية الديمقراطية.
المثل يقول فاقد الشئ لا يعطيه.. وكل إناء بما فيه ينضح.. وإناء الدول العربية خالي الوفاض من كل هذه الأسلحة.