عاشراً : الالتفاف حول العناصر المثبتة :
تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر ) حسن رواه ابن ماجة عن أنس مرفوعاً 237 وابن أبي عاصم في كتاب السنة 1/127 وانظر السلسلة الصحيحة 1332 .
البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات . وقد حدثت في التاريخ الإسلامي فتن ثبت الله فيها المسلمين برجال .
ومن ذلك : ما قاله علي بن المديني رحمه الله تعالى " أعز الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة " .
وتأمل ما قاله ابن القيم رحمه الله عن دور شيخه شيخ الإسلام في التثبيت : " وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت بنا الظنون ، وضاقت بنا الأرض أتيناه ، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا ، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة ، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل ، وآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها " . الوابل الصيب ص 97 .
وهنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت ، فإخوانك الصالحون والقدوات والمربون هم العون لك في الطريق ، والركن الشديد الذي تأوي إليه فيثبتوك بما معهم من آيات الله والحكمة .. الزمهم وعش في أكنافهم وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية .
الحادي عشر : الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :
نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ) آل عمران /146-148 .
ولما أراد رسول الله e أن يثبت أصحابه المعذبين أخبرهم بأن المستقبل للإسلام في أوقات التعذيب والمحن فماذا قال ؟
جاء في حديث خباب مرفوعاً عند البخاري : ( وليُتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف الله والذئب على غنمه ) رواه البخاري ، انظر فتح الباري 7/165 .
فعرض أحاديث البشارة بأن المستقبل للإسلام على الناشئة مهم في تربيتهم على الثبات .
الثاني عشر : معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :
في قول الله عز وجل : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ) آل عمران /196 تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم .
وفي قوله عز وجل : ( فأما الزبد فيذهب جفاء ) الرعد /17 عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .
ومن طريقة القرآن فضح أهل الباطل وتعرية أهدافهم ووسائلهم ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) الأنعام /55 حتى لا يؤخذ المسلمون على حين غرة ، وحتى يعرفوا من أين يؤتى الإسلام .
وكم سمعنا ورأينا حركات تهاوت ودعاة زلت أقدامهم ففقدوا الثبات لما أتوا من حيث لم يحتسبوا بسبب جهلهم بأعدائهم .
الثالث عشر : استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :
وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ) رواه البخاري في كتاب الزكاة - باب الاستعفاف عن المسألة ، ومسلم في كتاب الزكاة - باب فضل التعفف والصبر . وأشد الصبر عند الصدمة الأولى ، وإذا أصيب المرء بما لم يتوقع تحصل النكسة ويزول الثبات إذا عدم الصبر .
- تأمل فيما قاله ابن الجوزي رحمه الله : " رأيت كبيراً قارب الثمانين وكان يحافظ على الجماعة فمات ولد لابنته ، فقال : ما ينبغي لأحد أن يدعو ، فإنه ما يستجيب . ثم قال : إن الله تعالى يعاند فما يترك لنا ولداً " الثبات عند الممات لابن الجوزي ص34 تعالى الله عن قوله علواً كبيراً .
- لما أصيب المسلمون في أحد لم يكونوا ليتوقعوا تلك المصيبة لأن الله وعدهم بالنصر ، فعلمهم الله بدرس شديد بالدماء والشهداء : ( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم ) آل عمران /165 ماذا حصل من عند أنفسهم ؟
فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا .
الرابع عشر : وصية الرجل الصالح :
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه ، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته ، فتكون كلمات ينفع الله بها ، ويسدد الخطى ، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله ، ولقائه ، وجنته ، وناره .
وهاك أخي ، هذه الأمثلة من سيرة الإمام أحمد رحمه الله ، الذي دخل المحنة ليخرج ذهباً نقياً .
لقد سيق إلى المأمون مقيداً بالأغلال ، وقد توعده وعيداً شديداً قبل أن يصل إليه ، حتى لقد قال خادم للإمام أحمد : ( يعز عليّ يا أبا عبد الله ، أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك ، وأنه يقسم بقرابته من رسول الله e ، لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف ) البداية والنهاية 1/332 .
وهنا ينتهز الأذكياء من أهل البصيرة الفرصة ليلقوا إلى إمامهم بكلمات التثبيت ؛ ففي السير للذهبي 11/238 عن أبي جعفر الأنباري قال : " لما حُمِل أحمد إلى المأمون أخبرت ، فعبرت الفرات ، فإذا هو جالس في الخان فسلمت عليه .
فقال : يا أبا جعفر تعنيت .
فقلت : يا هذا ، أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك ، فو الله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق ، وإن لم تُجب ليمتنعن خلق من الناس كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك ، فإنك تموت ، لابد من الموت ، فاتق الله ولا تجب . فجعل أحمد يبكي ويقول : ما شاء الله . ثم قال : يا أبا جعفر أعِد ..
فأعدت عليه وهو يقول : ما شاء الله ... أ.هـ "
وقال الإمام أحمد في سياق رحتله إلى المأمون : " صرنا إلى الرحبة منها في جوف الليل ، فعرض لنا رجل فقال : أيكم أحمد بن حنبل .
فقيل له : هذا . فقال للجمال : على رسلك .. ثم قال : " يا هذا ، ما عليك أن تُقتل ها هنا ، وتدخل الجنة " ثم قال : أستودعك الله ، ومضى .
فسألت عنه ، فقيل لي هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الصوف في البادية يقال له : جابر بن عامر يُذكر بخير " سير أعلام النبلاء 11/241 .
وفي البداية والنهاية : أن أعرابي قال للإمام أحمد : " يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤماً عليهم ، وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه ، فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة ، وإن كنت تحب الله ، فاصبر على ما أنت فيه ، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل " .
قال الإمام أحمد : وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع عن ذلك الذي يدعونني إليه . البداية والنهاية 1/332
وفي رواية أن الإمام أحمد قال : " ما سمعت كلمة وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة الأعرابي كلمني بها في رحبة طوق وهي بلدة بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات ، قال : " يا أحمد إن يقتلك الحق متّ شهيداً ، وإن عشت عشت حميداً .. فقوي قلبي " سير أعلام النبلاء 11/241 .
ويقول الإمام أحمد عن مرافقة الشاب محمد بن نوح الذي صمد معه في الفتنة :
ما رأيت أحداً - على حداثة سنه ، وقدر علمه - أقوم بأمر الله من محمد بن نوح ، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير .
قال لي ذات يوم : " يا أبا عبد الله ، الله الله ، إنك لست مثلي ، أنت رجل يُقتدى بك ، قد مد الخلق أعناقهم إليك ، لما يكون منك ، فاتق الله ، واثبت لأمر الله . فمات وصليت عليه ودفنته . سير أعلام النبلاء 11/242 .
وحتى أهل السجن الذين كان يصلي بهم الإمام أحمد وهو مقيد ، قد ساهموا في تثبيته .
فقد قال الإمام أحمد مرة في الحبس : " لست أبالي بالحبس - ما هو ومنزلي إلا واحد - ولا قتلاً بالسيف ، وإنما أخاف فتنة السوط "
فسمعه بعض أهل الحبس فقال : " لا عليك يا أبا عبد الله ، فما هو إلا سوطان ، ثم لا تدري أين يقع الباقي " فكأنه سُرِّي عنه . سير أعلام النبلاء 11/240 .
فاحرص أيها الأخ الكريم على طلب الوصية من الصالحين : وأعقلها إذا تليت عليك .
- اطلبها قبل سفر إذا خشيت مما قد يقع فيه .
- اطلبها أثناء ابتلاء ، أو قبل محنة متوقعة .
- اطلبها إذا عُينت في منصب أو ورثت مالاً وغنى .
وثبت نفسك ، وثبت غيرك والله ولي المؤمنين .
الخامس عشر : التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت :
والجنة بلاد الأفراح ، وسلوة الأحزان ، ومحط رحال المؤمنين والنفس مفطورة على عدم التضحية والعمل والثبات إلا بمقابل يهوّن عليها الصعاب ، ويذلل لها ما في الطريق من عقبات ومشاق .
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطين الأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.
وكان النبي e يستخدم ذكر الجنة في تثبيت أصحابه ، ففي الحديث الحسن الصحيح مر رسول الله e بياسر وعمار وأم عمار وهم يؤذن في الله تعالى فقال لهم : ( صبراً آل ياسر صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) رواه الحاكم 3/383 ، وهو حديث حسن صحيح ، انظر تخريجه في فقه السيرة تحقيق الألباني ص103 .
وكذلك كان e يقول للأنصار : ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) متفق عليه .
وكذلك من تأمل حال الفريقين في القبر ، والحشر ، والحساب ، والميزان ، والصراط ، وسائر منازل الآخرة .
كما أن تذكر الموت يحمي المسلم من التردي ، ويوقفه عند حدود الله فلا يتعداها . لأنه إذا علم أن الموت أدنى من شراك نعله ، وأن ساعته قد تكون بعد لحظات ، فكيف تسول له نفسه أن يزل ، أو يتمادى في الانحراف ، ولأجل هذا قال e : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) رواه الترمذي 2/50 وصححه في ارواء الغليل 3/145 .
مواطن الثبات
وهي كثيرة تحتاج إلى تفصيل ، نكتفي بسرد بعضها على وجه الإجمال في هذا المقام :
أولاً : الثبات في الفتن :
التقلبات التي تصيب القلوب سببها الفتن ، فإذا تعرض القلب لفتن السراء والضراء فلا يثبت إلا أصحاب البصيرة الذين عمّر الإيمان قلوبهم .
ومن أنواع الفتن :
- فتنة المال : ( ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ) التوبة /75،76
فتنة الجاه : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً ) الكهف /28 .
وعن خطورة الفتنتين السابقتين قال e : ( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه ) رواه الإمام أحمد في السند 3/460 وهو في صحيح الجامع 5496 . والمعنى أن حرص المرء على المال والشرف أشد فساداً للدين من الذئبين الجائعين أرسلا في غنم .
- فتنة الزوجة : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم ) التغابن /14 .
- فتنة الأولاد : ( الولد مجبنة مبخلة محزنة ) رواه أبو يعلى 2/305 وله شواهد ، وهو في صحيح الجامع 7037 .
- فتنة الاضطهاد والطغيان والظلم : ويمثلها أروع تمثيل قول الله عز وجل : ( قتل أصحاب الأخدود ، النار ذات الوقود ، إذ هم عليها قعود ، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد ) البروج 4-9 .
وروى البخاري عن خباب رضي الله عنه قال : شكونا إلى رسول الله e وهو متوسد بردة في ظل الكعبة ، فقال عليه السلام : ( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيُجاء بالمنشار ، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد، من دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه ( رواه البخاري ، انظر فتح الباري 12/315 .
- فتنة الدجال : وهي أعظم فتن المحيا : ( يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله آدم أعظم من فتنة الدجال .. يا عباد الله ، أيها الناس : فاثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي .. ) رواه ابن ماجه 2/1359 انظر صحيح الجامع 7752.
وعن مراحل ثبات القلوب وزيغها أمام الفتن يقول النبي e : ( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً ، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى يصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مربداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً ، إلا ما أشرب من هواه ) رواه الإمام أحمد 5/386 ، ومسلم 1/128 واللفظ له . " معنى عرض الحصير : أي تؤثر الفتن في القلب كتأثير الحصير في جنب النائم عليه . ومعنى مربداً : بياض شديد قد خالطه سواد ، مجخياً : أي مقلوباً منكوساً . "
ثانياً : الثبات في الجهاد :
( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ) الأنفال /45 . ومن الكبائر في ديننا الفرار من الزحف وكان عليه الصلاة والسلام وهو يحمل التراب على ظهره في الخندق يردد مع المؤمنين : ( وثبت الأقدام إن لاقينا ) رواه البخاري في كتاب الغزوات ، باب غزوة الخندق انظر الفتح 7/399 .
ثالثاً : الثبات على المنهج :
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلاً ) الأحزاب /23 مبادئهم أغلى من أرواحهم ، إصرار لا يعرف التنازل .
رابعاً : الثبات عند الممات :
أما أهل الكفر والفجور فإنهم يحرمون الثبات في أشد الأوقات كربة فلا يستطيعون التلفظ بالشهادة عند الموت ، وهذا من علامات سوء الخاتمة كما قيل لرجل عند موته : قل لا إله إلا الله فجعل يحرك رأسه يميناً وشمالاً يرفض قولها .
وآخر يقول عند موته : " هذه قطعة جيدة ، هذه مشتراها رخيص " ، وثالث يذكر أسماء قطع الشطرنج . ورابع يدندن بألحان أو كلمات أغنية ، أو ذكر معشوق .
ذلك لأن مثل هذه الأمور أشغلتهم عن ذكر الله في الدنيا .
وقد يرى من هؤلاء سواد وجه أو نتن رائحة ، أو صرف عن القبلة عند خروج أرواحهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أما أهل الصلاح والسنة فإن الله يوفقهم للثبات عند الممات ، فينطقون بالشهادتين .
وقد يُرى من هؤلاء تههل وجه أو طيب رائحة ونوع استبشار عند خروج أرواحهم .
وهذا مثال لواحد ممن وفقهم الله للثبات في نازلة الموت ، إنه أبو زرعة الرازي أحد أئمة أهل الحديث وهذا سياق قصته :
قال أبو جعفر محمد بن علي ورّاق أبي زرعة : حضرنا أبا زرعة بما شهران قرية من قرى الري وهو في السَّوْق أي عند احتضاره وعنده أبو حاتم وابن واره والمنذر بن شاذان وغيرهم ، فذكروا حديث التلقين ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) واستحيوا من أبي زرعة أن يلقنوه ، فقالوا تعالوا نذكر الحديث ، فقال ابن واره : حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح ، وجعل يقول ابن أبي - ولم يجاوزه - فقال أبو حاتم : حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح ، لم يجاوز ، والباقون سكتوا ، فقال أبو زرعة وهو في السَّوْق " وفتح عينيه " حدثنا بُندار حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد عن صالح ابن أبي غريب عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله e : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) وخرجت روحه رحمه الله . سير أعلام النبلاء 13/76-85 .
ومثل هؤلاء قال الله فيهم : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) فصلت /30 .
اللهم اجعلنا منهم ، اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .